(10) صناعة الطغاة

chay3.png 

 

 

(10)

صناعة الطغاة

وصل إلى البلاد صباح اليوم فخامة رئيس الدولة حفظه الله ورعاه وسدد على الخير خطاه، عائداً من زيارة خاصة لدولة صديقة.

وقد احتشدت الجموع في مبنى المطار وفي المناطق والقرى من حوله، وفي طريق فخامته إلى القصر محتفين بعودته الميمونة، ومعبرين عن عميق سعادتهم بوصوله سالما غانما.

فخامة الرئيس، لم يكن سوى ذلك الذي تحدثت عنه المجالس بهمس، عندما أمر بإعدام خمسين معارضا لم تثبت عليهم التهمة.

وهو ذاته فخامة الرئيس الذي استملك بسلطته ثلاثة أرباع البلاد دون وجه حق، وأهدى ثروات البلاد لبني عائلته وجموع المقربين منه ومن عائلته.

فخامة الرئيس، ذلك الذي دمر قرية بأكملها لمجرد الشك في وجود تنظيم ارهابي يعمل داخلها، ولم يسمع لصرخات النساء والأطفال، ولا لتوسلات الشيوخ والرجال.

إنه نفسه فخامة الرئيس الذي لعب بأعراض الناس وشرفهم، واتخذ نسائهم لعبة يشبع بهن رغباته الحيوانية.

هو ذاته ذاك الرئيس الذي أنفق الملايين في مشاريع فاشلة بقرارات فردية لم يستشر فيها اصحاب الرأي، وعندما طارت الملايين، أعدم المئات بعد أن ألبسهم تهم الفساد.

ولم يخف علينا جميعا أن فخامة الرئيس هو أيضاً صاحب القرار في صفقة الاسلحة المليونية التي لم تستخدم حتى اليوم، وفيم تستخدم؟ خير لنا ألا تستخدم لأنها لو استخدمت لكانت في صدور أمتنا لا في صدور أعدائها.

إنه فخامة الرئيس، الذي لا يتحرك إلا بحراس، ولا يمشي إلا بحاشية، طلباته أوامر، واقتراحاته دساتير، هو الذي لا ينطق إلا عن وعي وفهم، والويل كل الويل لمن يدعي في حضرته فهما، أو يفند له رأيا.

فخامة الرئيس، ذلك الذي يجلس والناس حوله قيام، وينام والحراس من حوله في صحو، هو الذي تسجد له البلاد من دون الله، وكأنه فرعون في خيلائه، لا يعطي إلا بعد التماس، ولا يعفو إلا بعد إذلال وقهر.

هل عرفتم فخامة الرئيس الآن؟ هل عرفتم منجزاته؟ لم ننته بعد..

بعد سنوات حافلة بالعطاء والإنجاز، رحل فخامة الرئيس إلى مثواه الاخير، وقد سكبت الجموع دموع الحزن والأسى على فقدهم رجل التضحيات والمروءات، جدير بالذكر أن الفقيد قد اشتهر بتواضعه وكرمه ونبل أخلاقه، وأن رحيله يعتبر خسارة للأمة والشعب، رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.

هكذا عاش، وهكذا كان نعيه، والسؤال هنا، من يصنع الطغاة غيرنا؟ أليست الشعوب هي التي تصنع الطغاة؟

تعيش تحت وطأة الظلم وترزح تحت جبروت الطغاة، ثم تتسابق للتمجيد والتقديس، حتى إذا رحل الطاغية، جاء من هو أطغى منه، وبقيت الشعوب في ذلها، تحت أقدام الطغاة.

 

بو ياسر

12/12/2009

انشر الرابط

تعليقات

  1. عمار العباسي 4 ديسمبر 2010 at 6:20 م

    في الغرب، فقط ينادى الحاكم بلفظ “الرئيس”، وهذا مسمى وظيفي فحسب، بينما نحن نتحدث عن فخامته، وجلالته، وسموه، المفدى، والمعظم!
    نحن من صنع الطغاة..

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني