(12) الـمـاضـي

chay3.png 

 

 

(12)

الماضي

أعود بين الحين والآخر لأكتب عن الماضي، وأنشق عبير الذكريات، وأفتش بين الرفوف والأوراق عن الماضي السعيد، فأحتضن الصفحات القديمة، وأقلب الصور والرسائل، لأعيش لحظات بين أصحابي وأقراني، وذكريات لم تغب عن بالي، وتلك الأيام الخوالي، بحلوها، ومرها، بسوادها وبياضها، بكل ما فيها من جميل الذكريات.

لا يعتبن علي أحد، ففي الماضي – وإن كان في وقته مرا – حلاوة وذكرى، وفيه البراءة والطفولة، والمغامرات التي لا تنسى، فيه الصور التي تناثرت في الحي، وفي المسجد، في المدرسة وفي الصف، في بيت جدي، وفي غرفتي الصغيرة، أيام من الوداد، وأيام من الخصام، وعراك ينتهي باستسلام، واتفاقات ومعاهدات لا تعدو أن تكون مجرد ذكريات.

أقلب ألبوم الذكريات، فأجد الصور بحكاياها، كل صورة لها قصة، وموقف لا ينسى، كل صورة تحكي لي الماضي، أراه متحركا أمامي، فأغمض عيني وأعيش الذكريات، وصوت الماضي الذي كنت أعده نشازا، أصبح اليوم غناء تطرب له الآذان، ويهيج لصوته القلب، فألملم الأوراق، وأقلب الصفحات مرة وأخرى لأسافر بين أقطار الذكريات.

هذا ما يجعلني أحب الماضي وأحن إليه، فهو الواقع، وهو المدرسة الكبرى التي تعلمت فيها وانتظمت، وهو الذي مررت فيه بجميع مراحل الحياة التي بدأت من مولدي، وحتى لحظة كتابة هذه الكلمات، هو المكان الذي نشأت فيه وترعرعت، وهو الناس من حولي، أمي في البداية، وأبي بعدها، وإخوتي وأهلي وأقاربي وأصحابي، والناس الذين التقيت بهم فأحببتهم، والناس الذين عرفتهم والتقيتهم فأصبحوا واقعا حتى وإن لم يكونوا أبطالا في قصة حياتي.

الماضي بالنسبة لي صور كثيرة لا أستطيع أن أحصيها، فصورة للحي الذي كان ميدان اللعب، ومنارة المسجد تطل علينا من خلف المنازل، ومشاريعنا التي لا تنتهي، والأفكار المتجددة، ثم لا يوقف نشوة اللعب يوميا سوى جدي رحمه الله، عندما يرفع صوته هاتفا بأذان المغرب، عندها، يتخذ كل منا طريقه نحو المنزل يجر نفسه جرا وكأنه يعتب على المساء سرعة إقباله.

وصورة للمدرسة، والأحاديث البريئة، ننهض وقوفا عندما يدخل الأستاذ، وننتظر إذنه بالجلوس، لا يخل الفصل من المشاغبات بالتأكيد، قفا أحد الزملاء يلوح أمامي ووجه الأستاذ يتمعر من خلفه غضبا وهو يصرخ بأعلى صوته، يطرق الزميل برأسه حتى ينتهي التأنيب، ثم يعود، فيغمز لي وللزملاء بعينه وكأن أمرا لم يكن.

ثم صورة لبيت جدي، واللعب من دار إلى دار، فما إن ندخل دارا حتى جاءت ضيفة من نساء الحي وجاء الأمر بالإخلاء، فننتقل إلى الأخرى، فيصدر أمر بالإخلاء أيضا خوفا من التخريب، لننتقل إلى الصالة بعدها، حتى يصل الأخوال في اجتماعهم شبه اليومي، فنختار الجلوس طوعا خشية (الزف) والزجر.

هذا هو الماضي الذي أتذكر صوره، أوليس الماضي جميلا بصوره؟ هذه الصور، تجعل الماضي عزيزا، يستحق بها أن يذكر، ويستحق أن أعود إليه، وأترنم به، والأهم، أن أتعلم منه وأستفيد، وإلا لما كان لذكراه من داع!

 

بو ياسر

10/12/2009

 

 

نهاية موضوع شاي الضحى

~ تم بحمد الله وتوفيقه ~

 

 

 

بو ياسر

 

 

انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني