حسن

قررت الإدارة العليا للمؤسسة التي كنت أعمل بها، تكوين فريق لتطوير العمل وتقويم جودته، وذلك بالتعاون مع متخصصين من خارج المؤسسة، قامت الإدارة باختيار أفراد الفريق من جميع الأقسام، عُين الأستاذ “سيف” قائدا للفريق، وكنت أنا ضمن ذلك الفريق، بترشيح من مدير إدارتنا.

الأستاذ سيف، كان جديرا برئاسة الفريق، هو الرجل المناسب في المكان المناسب بالفعل، خبرة طويلة في المجال الإداري والهندسي وفي إدارة الجودة والتطوير، يهوى تحقيق الأهداف ويعشق التحدي، في البداية، ألفيت في نفسي توجسا من الانضمام للفريق، كنت أصغر الموجودين، وأقلهم خبرة، ولم أكن على معرفة مسبقة بالأستاذ سيف ولا بباقي أعضاء الفريق، بالإضافة إلى أن العمل في تلك المهمة، سيحتم علي البقاء في مقر العمل حتى المساء كل يوم إلى حين انتهاء المهمة.

بدد توجساتي كلها، لقائي الأول بالأستاذ سيف، كان هينا لينا بشوشا، لم أجد فرقا بينه وبين باقي أعضاء الفريق، يولي اهتماما بالغاً بكل رأي وفكرة، حتى العمل البسيط الذي كنت أؤديه، كان يحظى عنده بإشادة وامتداح، لا أدري حتى اليوم إن كان عملي جديرا بذلك حقا، أم أنه كان مجرد تشجيع للعضو الأصغر في الفريق.

بجوار الأستاذ سيف دائما وأبدا، صديق له مقرب يدعى حسن، يناديه “حسّون” أحيانا، هو صديقه ومساعده، ورفيقه حتى بعد أوقات العمل، موظف في المؤسسة منذ أكثر من عشر سنوات، أي، قبل قدوم الأستاذ سيف بفترة طويلة، لا أظنه كان عضوا في الفريق، لكنه كان موجودا في الاجتماعات، يؤدي بعض الأعمال هنا وهناك، فإن اضطر للمغادرة سأل الأستاذ سيف: أتحتاج مني شيئا؟ فيقول له: يعطيك العافية، نراك لاحقا.. وهكذا..

حسن، ليس على وفاق مع باقي موظفي المؤسسة، لم يكن صعبا علي ملاحظة ذلك، الأمر جلي جدا في نبرة كلامه أو في حواراته المقتضبة مع الأستاذ سيف حول الأمر، رغم فضولي الذي لا أستطع التخلص منه حتى اليوم، لم أجرؤ حتما على سؤال أحد عن الأمر، وخصوصا، الأستاذ سيف!

وجدت فرصة عمل أفضل وقدمت استقالتي من المؤسسة، واستمرت علاقتي بالأستاذ سيف حتى اليوم، دعاني على الغداء مرة بعد أشهر من استقالتي، ولأننا أصبحنا صديقين ولم يبق من الرسميات باق، سألته عن قصة حسن وعلاقته بالآخرين.

لم يكن حسن، سوى السائق الخاص بالأستاذ سيف، أصبح صديقه بعد حصوله على هذه الوظيفة، قبل أعوام – كما يصف الأستاذ سيف – وسوس الشيطان لحسن فطالت يده مبلغا بسيطا في صندوق المؤسسة، وقررت الإدارة بعد تحقيق طويل، إنهاء خدمات حسن، المبلغ بسيط جدا، كان بإمكان أي أحد أن يسده فورا ويستر ما حدث، ولكن، خشيت الإدارة تكرار الأمر فاتخذت القرار صارما. كان الأستاذ سيف في بداية أيام عمله مديرا لإحدى الإدارات، وقف حازما، ورفض إقصاء حسن الذي لم يكن يعرفه آنذاك، وطلب إعطاءه فرصة أخرى، وأن يكون معه، سائقا مثلا، وافقت الإدارة وبقي حسن سائقا، ثم أصبح صديقا، لم تكن إدارة الأستاذ سيف تستغني عن خدمات حسن ولم يكن لأحد أن ينكر عطاءه وتفانيه، أصبحت له يد خير في كل مهمة ومحفل، لكن، لم ينس موظفو المؤسسة زلته.

الأستاذ سيف، قدم لي بموقفه درسا عظيما في احتوائه للمخطئ وإعاده توجيهه، وإعطائه فرصة التصحيح، بدلا من لعنه وتجريحه وفضيحته، الأستاذ سيف لم يقف مع الخطأ، بل مع تصحيح الخطأ، ازدراء المخطئ لا يزيده إلا تماديا، أو ربما ألما وقهرا، قد يتوب المخطئ صادقا، فيتوب الله عليه ويغفر زلته، رغما عن كل من يدعي غير ذلك.

١٨ يناير ٢٠٢٠
انشر الرابط

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني