النعمة العظمى

يسر الله لي أن أتعرف على أخوين ماليزيين عن طريق الإنترنت، وذلك قبل نبدأ رحلتنا إلى ماليزيا، وبهذه المعرفة السطحية جدا، بدأت سلسلة من المراسلات وتبادل الأحاديث، حتى تبين لي لاحقا، أنهما إداريين في دار القرآن بمنطقة سيلانجور، إضافة إلى كونهما مصورين صاعدين على سلم الاحتراف، مما دفعنا – أنا وأخي – إلى زيارة دار القرآن للتعرف على الأخوين أكثر تلبية لدعوتهما، ولإضفاء جو قرآني على رحلتنا الترفيهية، كما أنه لم يكن لنا بد من تخصيص وقت للتصوير بمعيتهما، خاصة وأن بصحبتي مصورا محترفا لم يكن ليجعل لتلك الفرصة ضياعا.

وصلنا إلى دار القرآن قبيل المغرب، وقد أخذتنا روعة المكان إلى عالم آخر، نسيت في غمرة ذلك التأمل أن أتصل بأحد الأخوين لأعلمه بوصولنا، طلبنا من سائق السيارة أن يتوقف في زاوية مناسبة للتصوير، ثم اتصلت بالأخ (بحيري) لأخبره بوصولنا إلى دار القرآن، رحب بنا وهلل، وأخبرنا أنه قادم في غضون خمس دقائق.

بدأنا نعد عدتنا لالتقاط الصور، مسجد دار القرآن الذي تحيط به الخضرة من كل جهة، وتلك البحيرة التي تزين المكان، وانعكاس المسجد على صفحتها يزيد الأرض رحابة وسعة، وألوان الغروب أضفت على الصورة أروع الأثر، سبحان الله، مشهد رائع أبدعه الخالق سبحانه، وبركة المكان زادته ضياء، كيف لا، وهي دار القرآن التي لم تكن إلا لتدارس كتاب الله وتدريس علومه!

توقفت على مقربة منا سيارة نزل منها أخ ملأت الابتسامة محياه، صافحنا بحرارة، ظننته (بحيري)، لكنه سبقني للتعريف بنفسه قائلا: أنا (مكتشف)، سعيد بلقائكما.

وما هي إلا لحظات من التعارف مع (مكتشف)، حتى وصل (بحيري) واكتملت المجموعة، بدأنا نلتقط الصور ونتجاذب أطراف الحديث، والشفق الأحمر يزداد بهاءً، والصورة أمامنا تزداد اكتمالا وروعة، حتى قطع حديثنا أذان المغرب، صوت شجي يجلجل في سماء دار القرآن، وكأني أرى الأشجار تتمايل طربا لعذوبة الصوت، لقد كان المنظر متعة للأبصار، والشعور بالراحة في ذلك المكان، متعة للنفس والفؤاد، ثم جاء الأذان، لمتعة الآذان، نعيم دنيوي عظيم، كتبه الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، حرم منه الكثيرون، ولا أظنهم عرفوا لذته، ولو أنهم عرفوها، ما كانوا ليبعدوا عنها قدر شبر واحد.

دخلنا إلى المسجد لنصلي صلاة المغرب، تقدم للإمامة أحد طلاب دار القرآن، وهبه الله صوتا ذا شجن، أخذنا بخاشع تلاوته إلى عمق المعاني، صلاة لم أكن أتمنى أن تنقضي، أحسست أنني أعيش صلاة لم أعش مثلها من قبل، لم يكن ذلك الإمام عربيا، ولكنه كان مسلما يحفظ القرآن أفضل مما يحفظه جل العرب، ويرتله ترتيلا شجيا كما أمر الله تعالى، تلك هي الصلاة التي يشعر الفرد فيها بلذة الصلاة، وتلك هي التلاوة التي يرحم الله المنصت إليها.

قضيت الصلاة وبدأت التراتيل تعلو بأذكار المساء، المصلون في مكانهم يرددون، ثم رفعوا أيديهم بالدعاء مع الإمام، وأنا، كأنني والله أحلم، أين كنا عن مثل هذا المكان، أين كنت أنا، عن مثل هذه الصلاة، بل كيف كنت أصلي وكيف لم أشعر بلذة الصلاة من قبل كما أحسست بها هنا في دار القرآن.

بعد الدعاء، أخذ المصلون يصافح كل منهم الآخر، والبسمات تعلو الوجوه، وأنا وأخي نتلفت يمنة ويسرة، والسعادة تغمرنا، واللسان انعقد عن التعبير، مع كل مصافحة في ذلك المسجد، أجد بسمة من أحد المصلين، وتحية وترحيبا كل بطريقته، ثم تحلق المصلون في زاوية لتبدأ حلقة الذكر، ولازلت في سعادتي بذلك المكان.

نظرت إلى أخي فوجدت سعادته لا تقل عن سعادتي، سألته: هل عرفت الآن أعظم نعمة أنعم الله بها علينا؟ فأجابني: الحمد لله، على نعمة الإسلام.

بو ياسر

13 مايو 2009

انشر الرابط

تعليقات

  1. @OM$ 13 مايو 2009 at 4:01 م

    <:
    مجرد ان قريت تلك الكلمات شعرت وأنني معكم في تلك الصلاة الخاشعة ومع المجموعة الطيبة
    الله يرزقنا صحبتهم المميزة في جنانه

  2. بنت الخالدات 14 مايو 2009 at 1:37 ص

    وأنا أبحر في معاني كلماتك تمنيتُ لو أعيش مثل هذه المتعه يوماً في هذا المكان..

    حقّاً..

    الحمدلله على نعمة الاسلام ..الحمدلله الحمدلله..

    لولاه لكنا أحطاب جهنم .. الحمدلله الحمدلله..

    الطير ترنّم والموج تلاطم..

    والخالق صمم وماكان فأقدم..

    فالعزة لله لله ولله فالعزة لله لله ولله..

    ترددت كلمات هذه الأنشوده في أذني وأنا أقرأ كلماتك..

    جزاك الله خيرا يابن خالتي أن أشركتنا في هذه الرحله وجعلتنا نشعر بأننا كنا هناك..

    بانتظار جديدك دوماً..

    كـُن بخـيـر..

  3. ● بو ياسر ● 4 يونيو 2009 at 4:29 م

    @OM$

    اللهم آمين.. شكرا على القراءة والعقيب

    بنت الخالة الكريمة

    الحمد لله على نعمة الإسلام.. أذكر النشيدة ولكنني ما كنت لأعيش معناها لولا زيارتي لدار القرآن

    حياكم الله في المدونة وفي تلكم الرحلة أيضا 🙂

  4. Bo3ammar 10 يونيو 2009 at 6:06 م

    الحمد لله على نعمة الإسلام..

    اللهم يا مقلب القلوب والأبصار، ثبت قلوبنا على طاعتك..

    والحمدلله على السلامة : )

  5. بوصبا 15 يونيو 2009 at 11:49 ص

    تحياتي القلبية للأخ بوياسر،،

    جزاك الله خيرا على هذه اللوحة الايمانية الراقية
    الحمدلله على نعمة الاسلام والحمدلله على نعمة الحب في الله

  6. قسامية 16 يونيو 2009 at 9:01 ص

    فعلاً مشهد رائع اخي الكريم بوياسر جعلت نشعر كأننا هناك

    الحمدلله على نعمة الاسلام

    جزاك الله خيراً

  7. BOMTAIA 16 يونيو 2009 at 6:41 م

    بوياسر اخوي صراحة شوقتنا حق صوت الاخ الماليزي الامام

    وفعلا الحمد لله رب العالمين

  8. وهج شمعة 24 يونيو 2009 at 9:07 م

    الحمد لله الذي جعلنا بالاسلام اخوانا ،،عربا وعجما
    جزاك الله خيرا على ماكتبت اخي الكريم

  9. محمد 1 أغسطس 2009 at 5:44 م

    تسلم

  10. بوعبداللطيف 27 أكتوبر 2009 at 1:00 م

    الموضوع شيق والعرض جميل وأسأل الله لكم الثبات

اترك تعليقاً

اسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني